ـ كتب: جابر علي أحمد 
 
في الماضي الذي لاتزال آثاره باقية في حياتنا الثقافية يبرز الموشح كصيغة شقت طريقها في حياتنا ابتداء من القرن الثالث عشر الميلادي . في ذلك الوقت ظهر الوشاح الشيخ أبو بكر بن عيسى بن حنكاش في زبيد حاضرة الدولة اليمنية حينئذ إلى جانب شيوخ آخرين تزينت بهم هذه المدينة . ومع الدولة الرسولية الت اتخذت من تعز عاصمة لها انتقل كثير من الوشاحين من زبيد إلى تعز .
       كان أبرز وشاحي هذه الفترة الشيخ ابن فليتة . انتج لنا ذلك الزمان دررا فنية تشهد لها مخطوطات عديدة لشعراء مازالت أسماؤهم تتردد في جنبات حياتنا الثقافية . ومع الغزو العثماني لليمن في القرن السادس عشر الميلادي انتقل مركز الثقل الفني التقليدي إلى صنعاء التي لاقى فنانوها رعاية طيبة من البيت التركي الحاكم . في هذا الوقت ظهر الوشاح أحمد بن عبد الله شرف الدين الذي صال وجال عبر موشحات رددها شيوخ الغناء . وهنا يمكن للمرء أن يرصد ملاحظتين : الملاحظة الأولى أن موشحات فترة حكم الأيوبيين في زبيد والرسوليين في تعز اندثرت ألحانها تماما ولم يبق شاهدا عليها سوى القصائد الموشحة التي تحتضنها مخطوطات ودواوين ذلك الزمان . الملاحظة الثانية أن موشحات ابن شرف الدين ومن عاصره وأعقبه من الوشاحين التقطت من قبل شيوخ الغناء وأصبحت تردد في الجلسات وتتناقل شفاها حتى الآن . صيغت ألحان هذه الأعمال وفق المبدأ الموشحاتي في التلحين، وهو المبدأ الذي سنه الوشاحون الأوائل في الأندلس في القرن التاسع الميلادي، ويقضي باستلهام العناصر التراثية الشعبية في الإنتاج الموشحاتي . من هنا نفهم كيف أن الموشحات التي وصلت إلينا والتي لازالت تردد حتى اللحظة تتمثل المنظومات الايقاعية للمرتفعات الجبلية والهضبة الوسطى وهي : الدسعة بأنواعها والوسطى والسارع بنوعيه . وباتت هذه التجربة هي الزاد الفني الذي اقتات منه كل فناني اليمن إلى درجة تسمح لنا بالقول بأن صيغة الموشح أصبحت من أهم مكونات الوحدة الثقافية اليمنية. 
اسمحوا لي هنا بالتوقف عند قالب الموشح اليمني الذي وجدنا له حيزا من الاهتمام لدى المؤرخين العرب لهذه الصيغة منذ زمن بعيد . ولمن يطلقون المسميات الفنية على عواهنها أقول إن الموشح صيغة خضع فيها الشعر لمقتضيات الغناء . وهي صيغة تعددت أغراضها بين الديني والدنيوي . والموشح في اليمن له بناء فني يختلف عن أبنية هذا القالب في البلدان التي انتعش فيها . وللراغبين في الاستزادة المعرفية الرجوع إلى مجموعة دواوين الشعر الحميني وإلى كتب ودراسات مختصة بهذا القالب، حيث تتوفر المعارف والنماذج الشعرية ما يكفي للإحاطة بهذا القلب في اليمن 
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.