قصة نجاح الفنان علي الآنسي والشاعر علي صبرة في ملتقى (ثنائي كيان) والبيت اليمني للموسيقى والفنون

 
ـ كتب: أمين درهم
 
عندما يجتمع الأستاذ أوس الإرياني والموسيقار فؤاد الشرجبي يحضر الإبداع ..لهما التحية والتقدير.. والتحية كذلك للأصدقاء في صفحتي على الفيسبوك ..سعيد بلقائكم.. والتواصل معكم.
الأعزاء في ملتقى كيان الثقافي قاموا يوم 15 أكتوبر من الشهر الجاري بإحياء فعالية فنية ثقافية جميلة في البيت اليمني للموسيقى والفنون اسموها (ثنائي كيان).. احتفاءً بالأعمال الخالدة لثنائي الحبّ والوطن الفنان الكبير علي بن علي الآنسي والشاعر والمؤرخ الكبير علي بن علي صبرة.. حضرها نخبة رائدة من المثقفين، والفنانين المتذوقين لفن الزمن الجميل .. سعدت بالحضور والمشاركة معهم.. وشاركت في مداخلة عن ضيفي اللقاء الآنسي وصبرة.. بحكم معرفتي القديمة بهم من مدينة تعز في الستينيات.. واستمرار العلاقة بهم في صنعاء..
وقبل الحديث عن الفنان الآنسي والشاعر صبرة.. أبدي اعجابي بعزف الفنان الشاب المتمكن والموهوب عارف الجنيد الذي أبهر الجميع بجمال صوته وروعة عزفه في غناء مجموعة من أروع أغاني الثنائي الآنسي وصبرة أتمنى له التوفيق وأن يكون اسم فني لامع في المستقبل.
وأتذكر مقولة لأمير الشعراء الألماني جوته: «ينبغي أن يسمع الإنسان كل يومٍ قليلاً من الموسيقى، ويقرأ قصيدةً جيدة، ويرى صورةً جميلة، ويقول إذا أمكن كلماتٍ قليلةٍ معقولة»، فإذا لم تكن للمرء موهبة الشعر والغناء والعزف والألحان، فلا بد أن يتمتع بـموهبة الاستماع والاستمتاع بفنون الحياة الجميلة تلك.
وأنا من هؤلاء فصداقتي مع الفنانين والأدباء والشعراء ابتدأت منذ بدايات عمري، وحقيقة الأمر فإنني أعتبر الفن والأدب هما رفيقا الاقتصاد، وقد طبقت ذلك في حياتي حيث كنت مُهتماً جداً بحياة وسيرة الفنانين والأدباء في بلادنا، وأستمتع بإنتاجاتهم الفنية والأدبية.. 
وألاحظ أن هناك تزامل طبيعي بين الشعر والموسيقى وتجسد ذلك بقول أحد الفلاسفة: «إن الشِعْرُ جسم الوردة والموسيقى رائحتها»..
* الفنان علي بن علي الآنسي..صاحب صوت جميل وشجي وذو موهبة فنية مصحوبة بشخصية محبة للناس والوطن قريب من جمهوره.. يختار كلمات أغانيه بعناية.. ويكتب الشعر ويلحن أغلب أغانيه وله العديد من القصائد الشعرية التي كتبها باللهجة العامية وغناها.. منها:
ما في المعلم خير-أخو القمر - يا عيباه-وغيرها.
والفنان علي بن علي الآنسي لم ينجح بموهبته الغنائية وألحانه الرائعة فقط بل بالشعراء الكبار الذين أعطوه قصائدهم الشعرية أمثال الشاعر المبدع علي بن علي صبرة ..والشاعر عباس المطاع شاعر صاحب قضية سخر شعره للقضايا الاجتماعية والسياسية وتشهد بذلك أغنية (آنستنا يا عيد)..والشاعر الكبير عباس الديلمي في قصائد شعرية رائعة مثل القصيدة الخالدة (نجوم الليل بتسألني) الديلمي شاعر الحب والوطن شاعر مثقف ويستحق التكريم أطال الله في عمره ومتعه بالصحة.. والشاعر والأديب والعالم مطهر علي الإرياني صاحب قصائد (خطر غصن القنا) ذائعة الصيت التي غناها العديد من المطربين في الجزيرة والخليج وآخرهم الفنان السعودي اليمني الأصل محمد عمر.. والأغنية الملحمية الشهيرة (الحب والبن) ..والأغنية الرائعة (وقف وودع حبيبي) ..لقاء الفنان الآنسي والشاعر مطهر علي الإرياني كان علامة فارقة في حياة الفنان الآنسي والشاعر الارياني كان شاعر مختلف في كل قصيدة يكتبها لابد أن تحمل رسائل ومدلولات مهمة اجتماعية ووطنية يصيغها بكلمات غاية في الجمال وتحمل روح الاعتزاز بالأرض اليمنية وقد جسدها الآنسي بلحن رائع وأداء يفوق الوصف.. وتعايش مع كلمات الأغاني بطريقة لا توصف.
كبر ونجح وتخلد اسم علي الآنسي بهؤلاء الشعراء الكبار.. وأصبح فنه منبع لمن يريد أن يتعلم الغناء عليه أن يستمع ويغني أغانيه.. وأنا وغيري مازالوا يحنوا للاستماع لأغاني الفنان الآنسي.. رحمة الله عليه
.
ما المقصود بالثلاثة العلاعلة
كان الفنان علي بن علي الآنسي حريصاً على إبراز دور الأغنية اليمنية الأصيلة شعراً ولحناً وغناءً، لذا شكَّل ثنائياً ناجحاً في هذا المجال, مع الشاعر علي بن علي صبرة، وكان ثالثهم الفنان المثقف السفير علي أحمـد الخضر.. (فكانوا يُعرفون بالثلاثة العلاعلة).
حيث كنا نلتقي – جميعاً – في مجلس (نادي تعز الرياضي والثقافي) في جلساتٍ ثقافيةٍ وفنية، وكانوا الثلاثة العلاعلة هم نجوم أيَّ جلسة؛ فكان صبرة يصدَح شعراً، والآنسي يُلَحن ويُغني، والخَضِر يتلقَّى الألحان ويُغنيها، ونحن أعضاء النادي كنا أول من يستمع لهذه الروائع الغنائية التي لا تُنسى ولايزال صداها حاضراً في أذهاننا حتى يومنا هذا، بل وأن كثيراً من الفنانين الشباب لا زالوا يتغنون بهذه الأغاني الخالدة، واستمرت علاقتي بالآنسي والخضر حتى وافتهم المنية ورحلوا عن دنيانا..
وقد عاصر الشاعر صبرة كل مراحل الفنان الآنسي، ابتداءً من مدرسة نصير في صنعاء القديـمة, ثم في مدينة تعز عام 1958م، وهناك تفتحت مواهبهما في الشعر والغناء، وهنا أذكر بعض الأغاني العاطفية والوطنية منها: 
أهلاً بـمن داس العذول واقبل، والتي انتشرت بصوت الفنانات: نعايم بنت شريان، وفاطمة الأصبحي، وخيرية الشامي التي اشتهرت بإسم (نوال حسن)..
ثم بصوت الفنان علي بن علي الآنسي، وبعدها بأصوات الكثير من الفنانين في شـمال وجنوب اليمن.. ويحضرني هنا وجود تزامل طبيعي بين الشعر والموسيقى والذي تجسد في أغاني صبرة والآنسي:
(أهلاً بـمن داس العزول واقبل) وهي قصيدة طويلة تتكون من 66 بيت شعري و(أهلاً وسهلاً)، و(قد علموه)، و(شادق بابك), (يا الله رضاك)، و(يا عيوني اسكبي)، و(قمري صنعاء جنني)، و (يا ليل هل أشكو)، و(آنست يا حالي)، و(حبيبي شتسير)، و(يا قلب مالك), و(عند ابن عباس خير الناس قاص وداني)، و(يا ريح يا ريح)، و( يا من بحبه قد بلاني)، و(في السهول والجبال)، (يا ويح قلبي), و(يا من بأول كأس), و(الله من ليله)، و(يا لطيف) وغيرها.. كلمات قمة في الجمال والروعة.. وألحان وغناء لامثيل لهما.
والشاعر علي بن علي صبرة شاعر ومؤرخ ، ولد عام 1938م في ماوية بمحافظة تعز، وتلقى تعليمه الأولي في كتاب القرية على يد والده. انتقل لاحقاً إلى صنعاء، ثم عاد وأرسل إلى المدرسة العلمية في جبلة حيث درس بها حتى تخرج ليعين مساعداً لكاتب المحكمة ثم وكيلاً لقاضي المحكمة.
 
أحد أبرز الشعراء الغنائيين اليمنيين،  اشتهر بقصيدة  “أهلا بمن داس العذول واقبل” التي غناها الفنان علي بن علي الانسي  “يامن بحبه قد بلاني” و “ما احلاك حين تخطر” و”يا لطيف” و”في السهول والجبال” و”سبتمبر يا سبتمبر”. واشهدي أيتها الدنيا اشهدي. أصدر مجلة “الصباح”، وعبرها نشر عدة كتيبات له منها “ثورة اليمن وجذورها التاريخية” و”نحو إيديولوجية عربية موحدة، الدم وأغصان الزيتون” و” القضية  العربية والصهيوينة العالمية” و”اليمن الوطن الأم”. ومن مؤلفاته ثورة اليمن، والعديد من الدراسات والبحوث الثقافية والاجتماعية والسياسية، كما صدرت له مجموعتان شعريتان بعنوان “قصائد حب وحرب”، ومن دواوينه الشعرية النغم البكر 1972- الأعمال الشعرية الكاملة (في جزأين) 1993, بالإضافة إلى ثلاث ملاحم شعبية هي: اليمن الثائر1967- الدم وأغصان الزيتون 1969- القلم والمدفع 1974.. كان عضوا بجمعية المؤرخين العرب ، عضو مؤسس في اتحاد الادباء و الكتاب اليمنيين ، له نشاطات سياسية وأدبية مختلفة ، حضر عدة مؤتمرات. وغيرها.
 
وحصل على وسام الجمهورية العربية المتحدة من الدرجة الرابعة من الرئيس جمال عبدالناصر. وحصل على وسام “المؤرخ العربي” من الجمعية العامة للمؤرخين العرب في بغداد بجمهورية العراق. كما تم تكريمه محلياً من قبل الرئيس علي عبدالله صالح حيث تم منحه وسام العلوم من الدرجة الأولى، علاوة على تكريمه من قبل وزارة الثقافة حيث تم منحه درع الثقافة، علاوة على منحه درع صحيفة “26 سبتمبر” الأسبوعية الناطقة باسم الجيش اليمني.
 الفنان علي بن علي الآنسي.. وشركة اهازيج واغاريد صنعاء ولبنان
 محطةٌ أخرى جمعتني بالفنان المرحوم علي بن علي الآنسي في مدينة (الحديدة) في عام 1966م، حيث تـمَّ الاتفاق بيننا على تأسيس شركة مساهمة محدودة، ترعى الفن والفنانين، وعلى رأسهم الفنان الآنسي، تحت اسم (شركة أهـازيج وأغاريد صنعاء المحدودة) برأسـمالٍ قدره عشرون ألف ريال، وتـمَّ انتخابي رئيساً لمجلس الإدارة فيها، ومن المؤسسين الأخوة: الاقتصادي الكبير محمد عبدالوهاب جُباري ومحمد قائد الزعيتري، وعمر أحمد بادويلان, والدكتور الأديب سعيد الشيباني، وإبراهيم محمد حيدرة، وسلطان محمد عثمان القرشي، وإبراهيم الوجيه ..وكان من أبرز ما حققته وأنجزته هذه الشركة هو توثيق أغاني الفنان الآنسي وغيره من الفنانين، وإنتاج أسطواناتٍ بلاستيكية للاستثمار، ومنحه أسهم في رأسـمال الشركة، وتعيينه مديراً فنياً لها، براتب شهري قدره (150) ريال. وعلى أن يتولى المهام التالية: أن يقوم بالأعمال بجمع الفنانين والفنانات في جميع المدن والقرى وفي أنحاء الجمهورية وإعطائهم ألحانه لغرض تسجيلها وطبعها في اسطوانات باسم (شركة أهازيج وأغاريد صنعاء المحدودة)، وعلى المدير الفني مسؤولية تـمثيل الشركة لدى الجهات المختصة مثل المحاكم والوزارات وغيرها على أن يبلغ مجلس إدارة الشركة كتابياً بكل القضايا التي تخص الشركة. وبعدها قامت الشركة بابتعاث الفنان علي بن علي الآنسي إلى العاصمة اللبنانية (بيروت) لتسجيل عشر أغاني بالمشاركة مع فرقة (الأخوين الرحباني اللبنانية الموسيقية)، والأغاني التي تـمَّ تسجيلها، هي: (حبيبي)، و(قد علموه)، و(لا تجرحي حبي)، و(دان واساجعه)، و(يا الله رضاك)، و(قمري صنعاء جننـّي)، و(في ظل راية ثورتي), و(يا قلبي مالك), و(رسولي قوم بلغ لي إشارة)، و(تعيش أنت وتبقى), و(وا مغرد بوادي الدُّور) والتي أدَّاها بنفس المقدمة، الفنان الراحل فضل محمد اللَّحجي، وقد خوَّلت الشركة الفنان الكبير علي الآنسي بجميع إجراءات التعاقد مع الفرق الفنية اللبنانية، كما نص العقد بين الشركة والفنان أيضاً على احتساب أسهم في رأسمالها للفنان علي الآنسي، ويحق له الانسحاب متى ما شاء على أن تدفع له كامل الأرباح السنوية لهذه الأسهم. وقد سافر الفنان الآنسي في شهر يوليو 1966م إلى لبنان، وساعده هناك سفير بلادنا في (بيروت) يومها الأستاذ المرحوم أحمد جابر عفيف، الذي قام بترتيب إجراءات التسجيل للأغاني المذكورة، ورفع للشركة رسالة حساب بتكلفة التسجيل، وقامت الشركة بإهداء جميع هذه الأغاني لإذاعة صنعاء, وكانت تُذاع باستمرار وبطلبٍ من الجمهور.
 
 الصداقة العميقة بين الآنسي والخضر:
 قصيدة رثاء مؤثرة جداً كتبها الشاعر الكبير علي بن علي صبرة بعد سماعه خبر وفاة صديقه الفنان الكبير علي بن علي الانسي .. سمعت القصيدة لأول مرة من الشاعر والأديب الجميل الأستاذ أوس نجل الشاعر والعالم مطهر علي الإرياني خلال فعالية «ثنائي كيان»  في البيت اليمني للموسيقى  وتقول كلمات الرثاء:
 له الحمد وحده خالق الكون في الأزل
 وما شاء قدر له نصيبه وفصله
 ودبر نظام الكون تدبير لم يزل
 كما شاء في دقة عظيمة ومذهله
 «علي» مات ما فعل الموت ذي فعل
 أيقطع طريق المبدعين المسبله
 سمعت الخبر كنه سقط فوقي الجبل
 وحسيت كل الناس بعده مجندله 
وأخيراً الفنان علي بن علي الآنسي لم يعيش حاسداً بل عاش حياته كطائر الكناري وعرف كيف واين ومتى يموت كالنيل.. واستمرت ذكراه إلى اليوم خالدة وأغانيه مازال لها صدى كبير بين الناس  من متذوقي الفن اليمني الأصيل داخل اليمن أو خارجه.. وكذلك الشاعر علي صبرة له دواوين شعر وكتب وأبحاث ومجلة(الصباح) ستظل تحكي قصة حياة شاعر موهوب ومثقف أحب وطنه اليمن والوطن العربي الكبير..  رحمة الله على الشاعر صبرة  والفنان  علي الآنسي ..وسيظلا خالدين في قلوبنا بأعمالهما الجميلة والأصيلة.
 أمين درهم صنعاء 28 أكتوبر 2022م
 

حول الموقع

البيت اليمني للموسيقى والفنون منظمة مجتمع مدني تُعنى بالموسيقى والفنون.